كيف تصل إلى الملكوت ؟
المقدمـــــة
الحياة الروحية ليست وقفا على أحد من الناس، بل هي من نصيب جميع الناس، مهما كانت ظروفهم المادية واحوالهم الصحية ومستوياتهم الاجتماعية. فالسيد المسيح يدعو جميع الناس إلى اكتساب دار النعيم بحياة البر والتقوى والقداسة، ويشعل في قلوب محبيه نور الايمان، ويزرع فيهم الرغبة في الاعالي كي يعيشوا كلمته الخلاصية ويحملوها إلى الكثيرين، فيكونوا بعضهم لبعض سندا وشركاء في النعمة والايمان والحب والنور والسلام.
يحتوي هذا الكتيب على «ساندويشات روحية» تأخذها سريعا وتغذي بها نفسك. وقد وزعها الكاتب بالوسائل العصرية، على المواقع الالكترونية والتلفون المحمول، إلى الأصدقاء والأحباء الذين أرادوا ان يشتركوا في خبرته الروحية.
ليس كاتبها كاهنا ولا راهبا ولا مكرسا بل هو رجل علماني، يعيش إيمانه المسيحي وحياته الروحية، ويحمل في أسرته وعمله همومه واتعابه وأفراحه وأحزانه.
«الحياة الداخلية» هي حديث الإنسان إلى نفسه في شتى أمور الحياة. وهي تصبح «حياة روحية» عندما يوسّع الإنسان آفاق هذا الحديث مع ذاته، ليبدأ مع الله حوارا حميما ممتعا، فيتناول فيه موضوع البر والصلاح والخلاص الأبدي، ويقيم مع الله علاقة صداقة شخصية. وتتطلب «الحياة الروحية» أن تبدأ وتغتنم فترات الصمت في حياتك اليومية، لأن الصمت يضعك وجها لوجه أمام ذاتك وأمام الله. فالله روح وبالروح تحدّثه وتصغي اليه، من خلال فكرة اليوم الروحية التي تقرأها وتتأملها في هذا الكتيب، وتجعل منها لذاتك غذاء روحيا طيبا.
الإنسان بحر لا حدود له من الأفكار والمشاعر والعواطف والغرائز والانفعالات. ومصائبه ناجمة عن كونه لا يعرف كيف يختلي بنفسه وكيف يملأ فراغ قلبه من حضور الله. ما أكثر ما يصمت الإنسان صمتاً فارغاً. فهو كثيراً ما يصمت في الطريق، ويصمت في البيت، ويصمت في العمل، ويصمت عندما ينتهي من حديث مع صديق، ويصمت عندما يشغل محرك سيارته… يصمت في أوقات كثيرة تفرضها عليه الحياة. أما الفكرة الروحية في هذا الكتيب فهي تعطيك غذاء روحيا لذاتك. وهي تشبه «العلكة» في فمك. فالعلكة لا تمنعك عن العمل، ولا عن الحديث مع الناس، ولا عن الاهتمام الجاد بمسؤولياتك الكثيرة. كذلك «الفكرة الروحية». فهي تدور في فكرك وذهنك وأنت صامت، وتضعك وجها لوجه أمام نفسك، وأمام المسيح فاديك ومعلمك ومرشدك في طريق الملكوت، تفتح له قلبك وعقلك، وتقيم معه حوار الأصدقاء والأحباء، وتكتشف أن الله يغمرك بحبه ونعمته، وأنك تهدر أوقاتاً كثيرة في حياتك لأنك تنسى الجوهر وتتلهى بالقشور.
«الحياة الروحية» هي الطريق المؤدي إلى الملكوت فاسلك هذا الطريق، وضع يدك بيد الله في أوقات صمتك، كي يقودك الله حيث يريد، وكي يجعل منك نوراً يضيء الطريق للآخرين وخميرة روحية تغير المجتمع، وتشهد له بالتقوى شهادة حسنة. سر حياتك الروحية هو سر حبك للمسيح. فكن على حب المسيح أمينا.
† المطران سليم الصائغ
مقدمـة الكاتب
كتبت، وأنا الفقير إلى رحمة الله، من أعماق قلبي وفكري ووجداني، ما كنت أشعر فيه في كل ليلة وما أحببت أن أشارك فيه إخوتي بالدم وأخواني بالروح. وصليت لكي تقودني العناية الإلهية في الكتابة. فمن أنا ومن أين لي الجرأة لأكتب؟ ومن أين لي الفهم لأعبّر، ومن أين لي المعرفة لأسترسل لولا يد الله الحانية؟.
إن كلمة الله حية وفعّالة، وروحه مع أبنائه جميعاً. هو ينعم علينا بأن نبذر البذار، لنشعر أننا جزء من خطة الله الرائعة لخلاص البشرية – لكنه هو الذي ينمي، نحن نكتب وروحه يحمل الكلمة ويدخل قلب الإنسان ويحوله من ملحد إلى مؤمن، ومن مجرم إلى تائب، ومن ضال إلى مسترشد.
لا أبتغي المجد من الناس بهذه الكتابات البسيطة ولا أستحق المجد من الله. أنا مجرد ريشة جافة في يدِ الرسام العظيم الذي خلق الكون وأبدعه. أنا مجرد أداة طيّعة تستجيب لنعمة الله الحالة فينا لنحقق الرسالة المطلوبة من كل واحد منا. وهي تعزية الحزانى ومواساة المرضى والمساجين والمحرومين والعطاش إلى كلمة الله التي ستحييهم وتعزيهم وتواسيهم وتفرج عن كربهم وترويهم.
أشكر الله في كل حين على كلماته المحيية التي غيّرت حياتي وتغيّرها كل يوم، حيث أقرأ ما وهبني الله أن أكتبه لإخوتي، فأجد أنني المحتاج وأنني الفقير وأنني المريض الذي يتناول الترياق كل يوم لأحيا.
كوني ربَّاً لأسرة رزقها الله ستة أبناء جعلني اختبر حب الأب والأم لأبنائهم، أخذت أتأمل في قلبي عمق محبة الآب السماوي اللامحدودة لأبنائه التي دفعته ليبذل ابنه الوحيد من أجل ان يحيوا ويرجعوا إلى حضنه، وأردتُ مشاركة إخوتي بالرب بهذا الفيض من الحب الإلهي الذي سكبه الرب علينا.
جعل الله هذه اليوميات البسيطة خبزاً يومياً روحياً لكل من يبتغي سماع كلمة الله من بين يدي إنسان خاطئ شعر وعانى من مغريات الحياة وشهواتها، ومن ضغوطات الحياة وأشواكها، ومن انشغالات الدنيا ومادياتها. فنحن البشر مجبولون من تراب، وخالقنا أدرى بضعفنا، وارتضى أن يتجسد ويموت من أجلنا، لينتصر على الموت، بذات الطبيعة البشرية التي سقطت لكي يخلصنا من سلطان الخطيئة والموت، كل ذلك لأنه محبة ومحبة مطلقة غير مشروطة.
كل صفحة تحتوي على آية وتأمل للقراءة والتعمق فيها، وقد كنت أقوم بإرسالها على شكل رسالة قصيرة يومياً لعائلتي وأصدقائي بعنوان “Daily bread” وتعالج موضوعات من صميم حياتنا اليومية، كما يوجد فهرس في نهاية الكتاب بعناوين التأملات الروحية ليسهل على القارئ اختيار الموضوع الذي يرغب بالرجوع إليه، وإذا فتحت قلبك وذهنك لكلمات الإنجيل ستمنحك قلباً جديداً وعقلاً منفتحاً على إرادة الله في حياتك، والتي إذا اتبعتها ستساعدك في الوصول إلى طريق الخلاص والأبدية السعيدة.
الفقير إلى رحمة الله
أسامة كرم إمسيح
إخوتي بالرب: الرجاء قراءة هذه الآيات اليومية بتمعّن وهدوء ومرافقتها بصلاة صغيرة من قلبك. إن كلمات الإنجيل «روح وحياة» (يوحنا ٦ : ٦٣). فعلاً: روح لأنّ الهنا حي وروحه ساكن فينا “ام لستم تعلمون ان جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وانكم لستم لانفسكم” (1كورنثوس 6 : 19). وحياة “كلمة الله حية وفعالة وامضى من كل سيف ذي حدين وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة افكار القلب ونياته” (عبرانيين 4 : 12)